responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 539
إِنَّمَا وُجِدَ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّ التَّكْوِينَ غَيْرُ الْمَكُونِ فَقَوْلُهُ: كُنْ إِشَارَةٌ إِلَى الصِّفَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالتَّكْوِينِ، وَقَالَ آخَرُونَ قَوْلُهُ: كُنْ عِبَارَةٌ عَنْ نَفَاذِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ فِي الْمُمْكِنَاتِ. فَإِنَّ وُقُوعَهَا بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ مِنْ غَيْرِ امْتِنَاعٍ وَانْدِفَاعٍ/ يَجْرِي مَجْرَى الْعَبْدِ الْمُطِيعِ الْمُسَخَّرِ الْمُنْقَادِ لِأَوَامِرِ مَوْلَاهُ، فَعَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ عَلَى سبيل الاستعارة.

[سورة مريم (19) : الآيات 36 الى 40]
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (40)
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ فِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَأَبُو عَمْرٍو بِفَتْحِ أَنَّ، وَمَعْنَاهُ وَلِأَنَّهُ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ، وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بِالْكَسْرِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَفِي حِرَفِ أُبَيٍّ إِنَّ اللَّهَ بِالْكَسْرِ مِنْ غَيْرِ وَاوٍ أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَاعْبُدُوهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ قَائِلُ هَذَا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: التَّقْدِيرُ فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ بَعْدَ إِظْهَارِ الْبَرَاهِينِ الْبَاهِرَةِ فِي أَنَّ عِيسَى هُوَ عَبْدُ اللَّهِ. الثَّانِي: قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ: الْوَاوُ فِي وَإِنَّ اللَّهَ عَطْفٌ عَلَى قول عيسى عليه السلام: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ [مَرْيَمَ: 30] كَأَنَّهُ قَالَ: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَإِنَّهُ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ، وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ عَهِدَ إِلَيْهِمْ حِينَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ بَعْثِهِ وَمَوْلِدِهِ وَنَعْتِهِ أَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ أَيْ كُلُّنَا عُبَيْدُ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُدَبِّرَ النَّاسِ وَمُصْلِحَ أُمُورِهِمْ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ إِنَّ مُدَبِّرَ النَّاسِ وَمُصْلِحَ أُمُورِهِمْ فِي السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ هِيَ الْكَوَاكِبُ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْإِلَهَ وَاحِدٌ لِأَنَّ لَفْظَ اللَّهِ اسْمُ عَلَمٍ لَهُ سُبْحَانَهُ فَلَمَّا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ/ أَيْ لَا رَبَّ لِلْمَخْلُوقَاتِ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّوْحِيدِ، أَمَّا قَوْلُهُ: فَاعْبُدُوهُ فَقَدْ ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ مُشْعِرٌ بِالْعِلِّيَّةِ فَهَهُنَا الْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ وَقَعَ مُرَتَّبًا عَلَى ذِكْرِ وَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا تَلْزَمُنَا عِبَادَتُهُ سُبْحَانَهُ لِكَوْنِهِ رَبًّا لَنَا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا تَجِبُ عِبَادَتُهُ لِكَوْنِهِ مُنْعِمًا عَلَى الْخَلَائِقِ بِأُصُولِ النِّعَمِ وَفُرُوعِهَا، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا مَنَعَ أَبَاهُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ قَالَ: لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
يَعْنِي أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُنْعِمَةً عَلَى الْعِبَادِ لَمْ تَجُزْ عِبَادَتُهَا، وَبِهَذِهِ الْآيَةِ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا كَانَ رَبًّا وَمُرَبِّيًا لِعِبَادِهِ وَجَبَ عِبَادَتُهُ، فَقَدْ ثَبَتَ طَرْدًا وَعَكْسًا تَعَلُّقُ الْعِبَادَةِ بِكَوْنِ الْمَعْبُودِ مُنْعِمًا، أَمَّا قَوْلُهُ: هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ يَعْنِي الْقَوْلُ بِالتَّوْحِيدِ وَنَفِيُ الْوَلَدِ وَالصَّاحِبَةِ صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَأَنَّهُ سَمَّى هَذَا الْقَوْلَ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ تَشْبِيهًا بِالطَّرِيقِ لِأَنَّهُ الْمُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ، أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَفِي الْأَحْزَابِ أَقْوَالٌ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ فِرَقُ النَّصَارَى عَلَى مَا بَيَّنَّا أَقْسَامَهُمْ. الثَّانِي: الْمُرَادُ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ وَلَدًا وَبَعْضُهُمْ كَذَّابًا. الثَّالِثُ: الْمُرَادُ الْكُفَّارُ الدَّاخِلُ فِيهِمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْكُفَّارُ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 539
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست